الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ولنفترض أن ابنًا طلب من والده طلبًا، ولم يحضره الأب، ثم جاءت الأم لتشكو للأب سلوك الابن، فيحاول الأب إحضار الطلب الذي تمناه الابن، ويقول له:- تعال هنا يا بني، إن الله قد وفقني أن أحضر لك ما طلبت.وفي لحظة فرح الابن بالحصول على ما تمنى، يقول له الأب: لو تذكرت ما قالته لي أمك من سلوكك الرديء لما أحضرته لك.ولو سب الأب ابنه في هذه اللحظة فإن الابن يضحك.لماذا؟ لأن الأب أعطى الابن الدرس والعظة في وقت ارتباط قلبه وعاطفته به. ولكن نحن نفعل غير ذلك. فالواحد يأتي للولد في الوقت الذي يكون هناك نفور بينهما، ويحاول أن يعظه؛ لذلك لا تنفع الموعظة، وإذا أردنا أن تنفع الموعظة يجب أن نغير من أنفسنا، وأن ننتهز فرصة التصاق عواطف من نرغب في وعظه فنأتي ونعطي العظة.هكذا {فعظوهن} هذه معناها: برفق وبلطف، ومن الرفق واللطف أن تختار وقت العظة، وتعرف وقت العظة عندما يكون هناك انسجام، فإن لم تنفع هذه العظة ورأيت الأمر داخلًا إلى ناحية الربوة؛ والنشوز فانتبه. والمرأة عادة تَدِل على الرجل بما يعرف فيه من إقباله عليها. وقد تصبر المرأة على الرجل أكثر من صبر الرجل عليها؛ لأن تكوين الرجل له جهاز لا يهدأ إلا أن يفعل. لكن المرأة تستثار ببطء، فعندما تنفعل أجهزة الرجل فهو لا يقدر أن يصبر، لكن المرأة لا تنفعل ولا تستثار بسرعة، فأنت ساعة ترى هذه الحكاية، وهي تعرفك أنك رجل تحب نتائج العواطف والاسترسال؛ فأعط لها درسًا في هذه الناحية، اهجرها في المضجع.وانظر إلى الدقة، لا تهجرها في البيت، لا تهجرها في الحجرة، بل تنام في جانب وهي في جانب آخر، حتى لا تفضح ما بينكما من غضب، اهجرها في المضجع؛ لأنك إن هجرتها وكل البيت علم أنك تنام في حجرة مستقلة أو تركت البيت وهربت، فأنت تثير فيها غريزة العناد، لكن عندما تهجرها في المضجع فذلك أمرٍ يكون بينك وبينها فقط، وسيأتيها ظرف عاطفي فتتغاضى، وسيأتيك أنت أيضًا ظرف عاطفي فتتغاضى، وقد يتمنى كل منكما أن يصالح الآخر.إذن فقوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} كأنك تقول لها: إن كنت سَتُدِلِّينَ بهذه فأنا أقدر على نفسي. ويتساءل بعضهم: وماذا يعني بأن يهجرها في المضاجع؟. نقول: ما دام المضجع واحدًا فليعطها ظهره وبشرط ألا يفضح المسألة، بل ينام على السرير وتُغلق الحجرة عليهما ولا يعرف أحد شيئًا؛ لأن أي خلاف بين الرجل والمرأة إن ظل بينهما فهو ينتهي إلى أقرب وقت، وساعة يخرج الرجل وعواطفه تلتهب قليلًا، يرجع ويتلمسها، وهي أيضًا تتلمسه.والذي يفسد البيوت أن عناصر من الخارج تتدخل، وهذه العناصر تورث في المرأة عنادًا وفي الرجل عنادًا؛ لذلك لا يصح أن يفضح الرجل ما بينه وبينه المرأة عند الأم والأب والأخ، ولنجعل الخلاف دائمًا محصورًا بين الرجل والمرأة فقط. فهناك أمر بينهما سيلجئهما إلى أن يتسامحا معًا.{فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} وقالوا: إن الضرب بشرط ألا يسيل دما ولا يكسر عظما.. أي يكون ضربًا خفيفًا يدل على عدم الرضا؛ ولذلك فبعض العلماء قالوا: يضربها بالسواك.وعلمنا ربنا هذا الأمر في قصة سيدنا أيوب عندما حلف أن يضرب امرأته مائة جلدة، قال له ربنا: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} [ص: 44].والضغث هو الحزمة من الحشيش يكون فيها مائة عود، ويضربها ضربة واحدة فكأنه ضربها مائة ضربة وانتهت. فالمرأة عندما تجد الضرب مشوبًا بحنان الضارب فهي تطيع من نفسها، وعلى كل حال فإياكم أن تفهموا أن الذي خلقنا يشرع حكمًا تأباه العواطف، إنما يأباه كبرياء العواطف، فالذي شرع وقال هذا لابد أن يكون هكذا.{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} أي ضربًا غير مبرح، ومعنى: غير مبرح أي ألا يسيل دمًا أو يكسر عظمًا ويتابع الحق: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}.فالمسألة ليست استذلالًا. بل إصلاحا وتقويما، وأنت لك الظاهر من أمرها، إياك أن تقول: إنها تطيعني لكن قلبها ليس معي؛ وتدخل في دوامة الغيب، نقول لك: ليس لك شأن لأن المحكوم عليه في كل التصرفات هو ظاهر الأحداث. أما باطن الأحداث فليس لك به شأن ما دام الحق قال: {أطعنكم}؛ فظاهر الحدث إذن أن المسألة انتهت ولا نشوز تخافه، وأنت إن بغيت عليها سبيلًا بعد أن أطاعتك، كنت قويًا عليها فيجب أن تتنبه إلى أن الذي أحلها لك بكلمة هو أقوى عليك منك عليها وهذا تهديد من الله.ومعنى التهديد من الله لنا أنه أوضح: هذه صنعتي، وأنا الذي جعلتك تأخذها بكلمتيّ زوجني.. زوجتك.. وما دمت قد ملكتها بكلمة مني فلا تتعال عليها؛ لأنني كما حميت حقك أحمى حقها. فلا أحد منكما أولى بي من الآخر، لأنكما صنعتي وأنا أريد أن تستقر الأمور. اهـ.
.فوائد لغوية وإعرابية: قال ابن عادل:قوله: {عَلَى النساء} متعلق بـ {قَوَّامُونَ} وكذا بما والباء للسَّبَبيَّةِ، ويجوز أن تكُونَ لِلْحَالِ، فتتَعلَّق بِمحذُوفٍ؛ لأنَّهَا حَالٌ من الضَّميرِ في {قَوَّامُونَ} تقديره: مُسْتَحِقِّينَ بتفضيل اللِّهِ إيَّاهُمْ، ومَا مَصْدَريَّةٌ، وقيل: بمعنى الَّذِي، وهو ضعيفٌ لحذف العائِدِ من غَيْرِ مُسَوِّغ.والبعضُ الأوَّلُ لمُرادُ به الرِّجالُ، والبَعْضُ الثَّاني: النسَاءُ، وعَدلَ عَنِ الضَّميريْن فلم يَقُل: بما فَضَّلَهم اللَّهُ عَلَيْهِنَّ، للإبهام الذي في بَعْض.قوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُواْ} يَتَعَلَّقُ بما تَعَلَّق به الأوَّلُ، ومَا يَجُوزُ أنْ تكُونَ بمعنى الّذِي من غير ضَعْفٍ؛ لأنَّ للحذف مسوِّغًا، أي: وبما أنفقوه من أموالهم.{مِنْ أَمْوَالِهِمْ} متعلّق بـ {أَنْفَقُواْ}، أو بمحذوف على أنَّهُ حال من الضَّمير المحذُوف.قوله: {فالصالحات قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله} الصَّالحات مبتدأ، وما يَعْدَهُ خبران لَهُ، وللغيب مُتعلِّق بحَافظاتٌ وأل في الغيب عوض من الضَّميرِ عند الكُوفييِّنَ كقوله: {واشتعل الرأس شَيْبًا} [مريم: 4]، أي: رأسي وقوله: [البسيط]أي: لثاتها.والجمهور على رفع الجلالةَ من {حَفِظَ الله} وفي مَا على هذه القراءة ثلاثَةُ أوْجُه:أحدُهَا أنَّهَا مَصْدَريَّةٌ، والمعنى: بحظ اللَّه إيَّاهُنَّ أي: بتوفيقه لهن، أو بالوصيَّةِ منه تعالى عليهنَّ.والثاني: أن تكُونَ بمعنى الذي، والعَائِدُ محذوفٌ، أي: بالَّذي حفظه اللَّهُ لَهُنَّ مِنْ مُهُورِ أزواجهِنَّ، والنّفقة عليهن، قاله الزَّجَّاجُ.والثَّالِثُ: أن تكُونَ مَا نكرة موصوفة، والعَائِدُ محذوفٌ أيضًا، كما تقرَّرَ في المَوْصُولَةِ، بمعنى الَّذِي.وقرأ أبُو جَعْفَرٍ بنصب الجَلاَلَةِ. وفي مَا ثلاثة أوجه أيضًا:أحدُهَا: أنَّها بمعنى الَّذِي.والثَّانِي: أنها نكرةٌ موصُوفَةٌ، وفي {حَفِظَ} ضمير يعُودُ على ما أي: بما حفظ من البرِّ والطَّاعَةِ، ولابد من حَذْفِ مضافٍ تقديره: بما حَفِظَ دين اللَّه، أو أمر اللَّه؛ لأنَّ الذَّات المقدَّسة لا يحفظها أحَدٌ.والثَّالِثُ: أنْ تكُونَ مَا مَصْدريَّة، والمعنى: بما حفظن اللَّه في امتثال أمره، وَسَاغَ عَوْدُ الضَّميرِ مُفْرَدًا على جَمْعِ الإنَاثِ؛ لأنَّهُنَّ في معنى الجنس كأنه قيل: فمن صلح فَعَاد الضَّميرِ مُفْردًا بهذا الاعتبارِ، ورُدَّ هذا الوجه بِعَدَمِ مُطَابَقَةِ الضَّميرِ لما يعودُ عليه وهذا جوابه، وجعله ابْنُ جِنّي مثل قول الشَّاعِرِ: [المتقارب] أي: أوْدَيْنَ، وَيَنْبَغِي أن يُقَالَ: الأصْلُ بما حفظت الله، والحوادث أوْدَتْ، لأنَّهَا يَجُوزُ انْ يَعُودَ الضَّميرُ عَلَى جمع الإنَاثِ كَعَوْدِهِ عَلَى الوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ، تقول: النِّسَاءُ قَامَتْ، إلاَّ أنَّهُ شَذَّ حذفُ تَاءِ التَّأنيثِ مِنَ الْفِعْلِ المُسْندِ إلى ضَميرِ المُؤنَّثِ.وقرأ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودِ- وهي في مُصْحَفِهِ كَذَلِكَ- فالصالح قوانت حوافظ بالتكسير.قال ابْن جني: وهي أشْبَهُ بالمَعْنَى لإعطائِهَا الكَثْرَة، وَهِيَ المَقْصُودَةُ هُنَا، يعني: أن فَوَاعِل من جُمُوعِ الكَثْرَةِ، وجمع التَّصحيح جمع قلَّةٍ، ما لم تَقْتَرِنْ بالألف واللاَّمِ. وظاهِرُ عِبَارَةَ أبِي البَقَاءِ أنه لِلقِلَّةِ، وَإنْ اقْتَرَنَ بأل فإنَّهُ قال: وجمع التَّصحيح لا يدلّ على الكثرة بوضعِهِ، وقد استعمل فيها كقوله تعالى: {وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ} [سبأ: 37].وفيما قالهُ أبُو الفتح وأبُو البقاءِ نَظَرٌ، فإنَّ الصَّالِحات في القراءةِ المَشْهُورَةِ مُعَرَّفَةٌ بِأل، وقَد تَقَدَّمَ أنَّه تكُونُ لِلْعُمُومِ، إلاَّ انَّ العموم المفيد للكثرة، ليس مِنْ صيغَةِ الجَمْعِ، بل مِنْ ألْ، وإذا ثَبَتَ أن الصَّالِحَاتِ جمع كَثْرَةٍ، لَزِمَ أنْ يكُونَ قَانِتَات وحَافِظَات للكثرة؛ لأنَّهُ خبرٌ عن الجميعِ، فَيُفِييدُ الكَثْرَةَ، ألا تَرَى أنَّكَ إذا قلت: الرِّجَالُ قَائِمُونَ، لَزِمَ أنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجَالِ قَائِمًا، ولا يجوز أن يكُونَ بعضُهم قاعدًا، فإذًا القراءةُ الشَّهيرةُ وافيةٌ بالْمعنى المقصود.قوله: {فِي المضاجع} فيه وجهان:أحدها: أنَّ في على بابها من الظرفيَّةِ متعلّق بـ {اهجروهن} أي: اتركوا مضاجعتهن، أي: النَّوْمَ مَعَهُنَّ دون كلامِهِنَّ ومؤاكلتهنَّ.والثَّاني: أنها للِسَّبَبِ. قال أبُو البقاءِ: {واهجروهن} بسبب المضاجع، كما تَقُولُ: في هذه الجِنَايَةِ عُقُوبَةٌ، وجعل مكي هذا الوجه مُتَعَيِّنًا، ومنع الأول، قال: ليس {فِي المضاجع} ظرفًا للهجران، وإنَّمَا هو سَبَبٌ لِهِجْرَانِ التَّخَلُّفِ، ومعناه: فاهجروهنّ من أجل تخلفهن عن المُضاجَعَةِ معكم، وفيه نَظَرٌ لا يخفى.قوله: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا} في نَصْبِ {سبيلًا} وجْهَانٍ:أحدهما: أنه مفعول به.والثَّانِي: أنَّهُ على إسْقَاطِ الخَافِضِ، وهذان الوَجْهَانِ مبنيان على تفسِير البَغْي هنا ما هو؟ فقيل: هو الظٌّلْمُ من قوله: {فبغى عَلَيْهِمْ} [القصص: 76]، فعلى هذا يَكُونُ لازِمًا، و{سبيلًا} منصوب بإسْقَاطِ الخَافِضِ أي: كسبيل.وقيل: هو الطَّلب، من قولهم: بَغَيْتُه، أي: طلبته، وفي {عَلَيْهِنَّ} وجهان:أحدهما: أنه متعلّق بـ {تَبْغُواْ}.والثَّاني: أنَّهُ مُتَعَلِّق بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من {سَبِيلًا}، لأنه في الأصلِ صفة النكرة قُدِّم عليها. اهـ. بتصرف يسير. .التفسير المأثور: قال السيوطي:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}أخرج ابن أبي حاتم من طريق أشعث بن عبد الملك عن الحسن قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستعدي على زوجها أنه لطمها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القصاص». فأنزل الله: {الرجال قوامون على النساء...} الآية. فرجعت بغير قصاص.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق قتادة عن الحسن أن رجلًا لطم امرأته، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يقصها منه. فنزلت {الرجال قوامون على النساء} فدعاه فتلاها عليه، وقال أردت أمرًا وأراد الله غيره.وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق جرير بن حازم عن الحسن أن رجلًا من الأنصار لطم امرأته، فجاءت تلتمس القصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص. فنزلت {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} [طه: 114] فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن {الرجال قوامون على النساء} إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أردنا أمرًا وأراد الله غيره».
|